الزفة الإماراتية··· زغرودة صحراوية تحيي الأصالة وتطلق الفرح
هم ''سحايب بيض'' تتهادى على الأرض، تتماوج طرباً ورقصاً ملفتاً للنظر ومثيراً للإعجاب، يقف المرء مبتهجاً أمامهم، يتجاوب بشكل لا إرادي مع أصوات الطبول والمزامير، ويهتز لا شعورياً مع حركاتهم وهم يقفون في صفين متقابلين، يلوحون بالخيزران في وداعة واحترام، بينها حملة الطبول المحلية، تلهب المكان والإنسان بمشاعر السرور والحبور ·هم أعضاء فرق الرقص الشعبي بدءاً من العيالة وصولاً الى الرزفة والحربية والليوا الذين يبهجون الأعراس ويحيون أفراحنا ·
ليلة ''العرس الإماراتي'' تسبقها ليالي فرح وكرم ومباهج لا تحد· وتكون تلك الليلة الكبيرة خاتمة الحفلات بعد عقد القران و''الملجة'' و''الزهبة'' أي نقل جهاز العروس من ذهب وملابس وعطور ومفروشات ومقتنيات ثمينة، ويكون قد سبق كل ذلك المكسار النسائي والآخر الرجالي وليلة الحناء·
قمر الفنون ونجومها
نجوم الزفة الإماراتية··· نجوم، لأن ''العيالة'' هي قمر الفنون الشعبية، والملمح الأساس بل المعلم الرئيسي فيها، حيث تؤدى في حفلات الأعراس والأعياد الوطنية والمناسبات السارة·
ولا يخلو عرس منها، وبشكل أدق لا يبدأ العرس إلاّ بها، لأن رقصة ''العيالة'' هي مؤشر بداية العرس، حيث تؤديها الفرقة الشعبية، قبل وصول المعرس ''العريس'' أمام المعازيم، لتطرح البهجة في نفوسهم، وتشعرهم بأجواء الأفراح المستلهمة من تاريخ الأجداد وتراث المنطقة·
على الطرف الآخر، في صالة النساء، يراقص النسيم خصلات الليل المنسدلة على أكتاف الصبايا، قبل أن ينعشن بشعورهن، وهن يحركن رقابهن بخفة ورشاقة، يمنة ويسرة، وأعلى وأدنى، واقفات أو مائلات، بحركة تبدأ بطيئة ولاتلبث أن تتصاعد مع تعالي صوت إيقاع الطبول·
ويتسم أداء الشبان والشابات -أعضاء الفرقة- بالجمال والرزانة لأن العيالة والنعشة، رغم كونهما فنا مبهجا مفرحا، فهما يتصفان بالوقار·
معرسكم يبغي رماسي
وبعد أن تُنهي العيالة والنعاشات، كل منهما في صالة مستقلة، أو متجاورين في فناء الحفل، وصلة رقصهم الشعبي، التي تمتد لساعة كاملة، تُردد خلالها أبيات الشعر أو الشلاّت، أي يتم الرقص على بحر شعري ملحون يردد شفاهاً عبر الراقصين أنفسهم، يصاحبهم إيقاع الطبول أو القرب أو الطيران والمزامير لبعث الحيوية في الأداء، يأتيهم إشعار بأن المعرس قد وصل بصحبة ربعه وذويه، فيهرعون لاستقباله ويتحلقون حوله مرددين: ''الف صلاة وسلام عليك يا حبيب الله محمد'' وترحيب يحمل في سياقه الحمد والتسبيح ''سبحان من زيّنك وأعطاك··ولأهلك دامك وخلاك''وهي بوادر بدء الزفة، لتنطلق بعدها أبيات شعرية متقطعة يتناوب أعضاء الفرقة وأصدقاء المعرس على إلقائها، تثني على المعرس وأخلاقه، وتفخر بأهله ونسبه وقبيلته· ثم يأتي دور الهتافات والأهازيج، وبين أهزوجة وأخرى، يردد الجمع من قبيل التشجيع وإشاعة جو البهجة والسهر الجميل ''معرسكم يبغي رماسي··عصرية والليل ماسي''، أي: العريس يطلب السوالف والقصص المسلية، والأغاني الجميلة والأجواء البديعة لأن السهرة ستطول·
أغانٍ ومعاني
معظم فنون الزفات والأغاني الشعبية التي تؤدى في هذه المناسبة، هي فنون قديمة تضفي على العرس مناخاً من البهجة والفرح والكرامة العربية والفخر والحماسة، وتجسد بعض الصفات العربية الأصيلة·
لذا فإن الفرقة تقوم خلال الزفة باستعراضات عديدة تقدم عبرها عدة رقصات شهيرة، أهمها:الحربية واليولة والليوا· وفي معظمها تستخدم الطِران والمزامير، فيجتمع الرجال (بالسيوف أو بالخيزران تبعاً للرقصة) ويكونون إماً صفاً واحداً مستقيماً، أو متقابلين متوازيين، ليقوم أحد شعراء ''الرزفة'' أو ''الحربية'' بإطلاق ''شلة'' الغناء شعراً، فيتلقفها ذلك الصف ويقوم بترديد ''الشلة'' شعراً ونغماً، أما الصف الآخر فيردد ما يغنيه الصف الأول بحيث يصبح غناء الشلة متبادلاً بين الصفين، وأحياناً يكون كل صف يردد بيتاً من الشعر،
الصف الأول:
''مفضوح راعي الحب وشلون مفضوح لو يكتم إحساسه تخونـه عيونـه''
الصف الثاني:
''ما ينفع العاشق إذا يكتـم البـوح ما ينفعه تقليـب جمـرة جفونـه''
ومع وصول أبيات الشعر أو الشلة إلى الفخر والحماسة، تقرع الطبول بشدة وتتعالى الصيحات واللعب بالسيف أو عصا الخيزران·
شايفة بدر لابس طرحة
تواصل الفرقة ''زفاتها'' عبر تلك الفنون، طارحة أغراضاً شعرية جميلة يتصدرها الغزل بما فيه من حب وشوق وانتظار، ومن ثم الحكمة والمدح والفخر··· ثم تصحب المعرس الى مقر حفل العروس، وتمضي عنه···
''تجتمع النساء لدى العروس، يرقصن ويحتفلن بزفتها على طريقتهن التقليدية، ومع وصول المعرس، تزفها الفرقة النسائية غناءً أمام العريس أو خلف ستار، بحسب اشتراطات أهل العرس أو متطلباتهم، بحيث تبدأ الزفة بمقدمة ''الحمد'' ومن ثم ''الترحيب'' أسوة بزفة العريس، إلى أن يرددن أهازيج من قبيل:
شلّني شلات يالغالي بشلّك
فوق حضن الهين حطني بنام
يوم أنا ولهان ومضيع مادله
غيثني بالنوم ياطويرٍ الحمام
وتتوالى بعدها الزفة بموسيقى تبدأ حماسية للفت الأنظار، فترقص فتيات الفرقة وتنعشن بشعورهن، مرددات زفات مبتكرة أو قديمة:
''الناس في عنيهم فرحة
جايين على أجمل فرحة
وانا مب شايفة عروسة
شايفة بدر لابس طرحة''
أو يزفن العروس وفق التقليد الحديث ''الموضة'' بأبيات شعرية تضم اسمها واسم قبيلتها واسمه واسم قبيلته، سواء مغناة أو دونما موسيقى على الدفوف (ينظمها ويلقيها -تسجيلاً- شعراء ينتمون إلى الفرق الشعبية)·
وتستكمل الحفلة بأغانٍ تراثية وأخرى خليجية وعربية منوعة تقدمها مغنيات ترافقن الفرقة، دون أن ينسين إطلاق الزغاريد بين فينة وأخرى خلال تعدادهن مناقب وأخلاق وحسنات العروس الجميلة''·
مسك الختام
في الفناء الخارجي لخيم او صالات الأعراس، يتوسط ''العازي'' المتميز بصوته الجهوري، ساحة الاحتفال، ليلقي آخر قصائد الفخر والحماسة وسط دائرة من الرجال، كالزفة الإماراتية··· زغرودة صحراوية تحيي الأصالة وتطلق الفرح احتفالية تعلن انتهاء فعاليات العرس حاملاً بيديه سيفاً وترساً، تتبعه الفرقة تحمل البنادق ''الخاصة باليولة'' بينما يلقي أهزوجته معبراً عن شكر واحترام لأهل العرس والحضور، وتبدأ عادة باسم الله وتنتهي بالصلاة والسلام على الحبيب محمد''صلى الله عليه وسلم'' ···
ومبرووووووووووووووووووووووووك